معنى الحرية

اذا نظرنا الى الأبعاد التي تحملها كلمة "الحرية" نجد أنفسنا في دوامة مفرغة تعكس لنا مدى صعوبة تحليل هذه اللفظة البسيطة ، والتي أصبحت متداولة بشكل مستمر على الساحات العالمية من خلال الخطب والمقالات والمؤلفات وغيرها خصوصا خلال الفترة الزمنية المعاصرة التي تلت أحداث الحادي عشر .
فلو تخيّـلتَ نفسك في الطريق وقد لاقيت شخصا غريبا لا تعرف شيء عنه، وقال لك "أنا حر"، فهل ستفهم قصده لمجرد تلفظه بهذه العبارة. أم أن خيالك الواسع سيجرفك إلى الكثير من الأفكار المتغايرة والتي ربما لا تكون صائبة. فقد تظن أنه كان مسجونا وقد هرب من السجن أو انقضت مدت محكوميته ، أم انه كان مديونا وتخلص من ديونه ، أم أنه كان مع زوجة تنكد عليه وفر منها ، أم ... أم ... ولكن لو أن هذا الغريب قال لك "أنا جائع"، مع أن هذه العبارة تتكون من الهيكل نفسه للعبارة السابقة، ولكن ستفهم ماذا قصد بها ذلك الشخص. فإذا أردت معرفة ما قصد به الشخص من العبارة الأولى فعليه أن يحدد الشيء الذي تخلص منه أو مُـنح إليه وجعل منه حرا.
فهل الحرية تعني أن يكون الفرد حر لعمل شيء ما يود القيام به ، أم ان الفرد حر من شيء يحاصره ؟ فمع جميع الوقائع التي تلت حادثة البقيع في أواخر شهر صفر لهذا العام وحتى هذه اللحظة التي أكتب فيها هذه السطور، هل يستطيع أي مواطن شيعي يعيش في المملكة العربية السعودية أن يقولها بالفم المليان "أنا حر". فإذا كان هناك أي شخص يستطيع قول ذلك ، فهنئيا له فقد وصل إلى مرحلة لم يصل إليها باقي الشيعة في المملكة . ولكن عليه أن يفسح المجال إلى غيره للوصول إلى الحرية المطلوبة، وأن لا يكون عائقا لغيره من الطائفة في نيل مطالبهم.
لقد تكاثرت التصريحات والخطب والمقالات في الفترة الأخيرة والتي تتناول الموضع ذاته ، ولكنها حملت مفاهيم وأطروحات مختلفة عن بعضها . ولا يوجد حتى الآن على المستوى العام صورة واضحة للمطالب الشيعية في المملكة ، فحينما يقول البعض أنه يطالب بكذا يقوم البعض الآخر ويصرح بوجود هذه المطالب أو بأننا لا نحتاج إليها أصلا . وهذا الأمر أضعف القضية وجعل المطالب الصريحة هامشية إلى أبعد الحدود .
فمع اختلاف الأساليب والطرق المتبعة من مختلف التيارات، علينا أن نحدد جميعا المطالب ونعلن عنها بشكل صريح وبدون استحياء وإلا فإننا سنظل كما يقول المثل "ننفخ في قربة مفقوعة". وعلينا أن نطالب بالأساسيات والحقوق المشروعة التي أمر بها الله لنا لنبقى دائما أحرارا، وعبيدا فقط وفقط لله الواحد القهار